English French German Spain Dutch

rif category

قيم هذا المقال

0

  1. جمعية تراسل مندوب الصحة حول جودة الأغذية المقدمة للمرضى بمستشفى الحسيمة (0)

  2. لأول مرة .. المغاربة أكثر العمال الأجانب مساهمة في نظام الضمان الاجتماعي بإسبانيا (0)

  3. هولندا.. محاكمة مغربي متورط في 6 عمليات تصفية بسبب المخدرات (0)

  4. نقاشات حادة خلال دورة ماي لمجلس جماعة امزورن (0)

  5. مشروع تهيئة وتوسيع مدخل مدينة الحسيمة يثير الجدل (0)

  6. المديرية العامة للأمن الوطني تحدث المنصة الرقمية الجديدة “إبلاغ” لمحاربة الجرائم الرقمية (0)

  7. الناظور .. افتتاح فعاليات النسخة 12 من معرض "بلادي" بمدينة العروي (0)

الكلمات الدليلية:

لا يوجد كلمات دليلية لهذا الموضوع

الرئيسية | كتاب الرأي | الناقد و الحـاقد

الناقد و الحـاقد

الناقد و الحـاقد

        النــقد عملية فكرية أصيلــة تسهــم في كشف جوانب الاختـلال و تبرز أوجه القصور ، و هـي بذلــك تمثل أسلوبـا حفريـا في ثنـايا فـكر النص السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الديني يسعــى لطـرح الغمم التي تشوب قراءة مــا لقضية مــا . علــى أن النــقد حينمــا ينـبنـي علـى نيــة تقويم الاعوجاج و تصويب الاتجـاه بشكـل يتجرد منه النـاقد من نوايا النقد السفسطـائي يصـير مــفتـاحـا نفيســا لبنــاء القضية بنـاء سليمـا ، و لا ضير فــي أن يتمـترسَ النـاقد بمنــظومــة فكرية يعتــقد فيهــا الصحــة شــرط أن لا يصــادر حـق الآخرين في اختــيار مرجعيتهم التأسيسية بحيث تتحــرك الأفكـار بحرية و بسلاسة بعيدا عن التعــنت و التشرنق علـى الذات الفارغة ، ففــي النــقاشات الصريحـة الهــادئة تتضــح الأفـكار و تتولد المعـاني الجديدة من جدليات الذات و الموضوع .

       لــكن للأسف فمواجهــة الفكــر لا يمكن أن يكون لأجل ذاته و لا يمكن التصدي لمـا عند الآخرين انتصـارا لحب الجدل و استعراضا "لعضلات" الفكر ، لأن أسلوب البحث عـن الحقيقة لا يمكن إطلاقا أن يتحقق بموجب النزعات الأنوية و سلطويات الكــلام المفخخ في النقاش . و هـذا الشكـل الجدالي وجدنـاهُ عـائقــا كبيرا أمـام تطور المعرفة بل وجدنــاهُ أنتـجَ عقليات مُــشوهــة تُـسارع إلـى مضغ الكــلام عن "النسبية" المطلقة بشكـل يطلق العنــان لميوعـة الفكر و سيولته ، و هــذا مــا افرزهُ العــقل السفسطـائي في تعـامله مع الأخـلاقيات و باب القيم حيث صــارَ يُـضرَبُ به المثل في شرود "العقل المُــكَــوَِّن" و خروجه عن ضوابط التفكير السليم ، هكـذا تجد ثراسيماخوس و غورغياس و بروتـاغوراس و غيرهم من زعــماء السفسطة الفــارغة يثيرون الزوابع الفكرية التـي استهدفت تمييع الفكــر المُــعَـقلن فانتصرت للذات علــى حساب الموضوع . و مــا فعــله هـؤلاء لا يعدم لــه أنــصار في زمنــنا المعاصر حيث راهنــوا علـى سيولة العقل لأجــل الانتصــار للبــاطل .

        و كــم من مفكر بدت لــهُ سوءاته الفكرية في المنـاظرات الفلسفية و الفكرية فانكشفت لديه هشاشات أطروحـاته و مـع ذلك لا يأبـهُ بأخـطائـه بل تأخــذه العزة بالإثم فـلا يجد حنينــا يشده غير السفسطـة البلاغية و الخطاب الإرسالي التجريدي . 

       إن النـــقد مسؤولية أخـلاقية و ليس هـواية" يتفرطحُ" فيهـا صاحبه بالكـلام الموزون أو المُسجَّـع ، النـقـد عنـوان هوية صاحبه يعكــس قيمهُ التي تــتحكم في اختياراته و ليس منـاسبة لاستعـراض القيل و القال و جمــع لقمـامات الفكر دون نــظر و تمــحيص .

     ليس هنـاك شيئا أضر للعقل من التسليم لـه في كـل قراراته، و ليس أنفـع لـه غير تقبل مخـالفات غيره بصدر رحب و نظـر ثاقب، فالاحتمـاء بالعقل و للعقل و التشرنق علـى ذاتـه كِـبرًا يؤدي حتمـا إلـى خلق كِـيانات ثقافية و دوائر فكرية مغلقة تتوجس خيفـة من كل رأي مخالف و تضع لنفسهـا عـوالِمَ خـاصة تتربـى علـى الإقصاء و النفي العنيف لعنديات الآخـرين فضلا عن كونهـا تنخرط في مسلسلات الاحتقار بدل الاقتنـاع بالافتقار ، لذلـك يحتـاج كل منـا إلـى تخصيص مساحـات فارغـة في عقولنـا للآخرين لإثراء الفكرة و تطوير العـلاقات النِّـقاشية دونمـا عنـاد و تعجرف عبر تربية النفس العصية علـى التطويع و تعويد العقل علـى الإنصات بدل الإقصاء و الاستفسار بدل الاستئصال .

    لكــن مَهــمّـةَ إخـضاع هـذا العقل العنيد و ترويض عنتريته ليست بالأمـر اليسير خصوصـا و نـحن نعيش أزمنـة الإيديولوجيات المستعصية علـى الانفتاح و التفاعـل الجاد ، كمـا نعيش حـالات الخـواء المعرفي الفردي المؤدي إلـى التحصن بالذات و التعـامل مـع الآخـر كدخيل مرفوض ابتداءً ، لا بــد إذن من اعتبار النـاقد منظورا مُـلـقِّحـاً و مُصـوِّبــاً للفراغـات المعرفية و القنـاعات الخاطئة و الرهـان علـى المنظورات الأخـرى في استكمـال الأبنية المعرفية و توجيههـا ، فالنـاقد الحصيف إنمـا يُـثير مـا لم يستقر في عقل مُنــتَقَـدِه و يخلق جوانبَ مغيبة فيه و قد يمـارس التصحيح فيه جملـة. قد ينطلـق الناقد من اعتبارات معرفية بحتـة للتصويب و التوجيه و قد يتعسف أحـيانـا في النقد فيصيـر حربـاً و وبالا علـى الفكر و العقل فيهدم بلا قياس و يبني بلا أساس ، و من ثم يتحول الناقد حـاقداً و تصبـحُ المعرفـة وسيلـة للنقض فتنتصر الايدولوجيا و تنتعش المضادات و تتقهـقر المعرفة أسيرةً بين هـذا و ذاك .

     النـاقد و الحـاقد صنفـان : صنف يتحرك من داخـل الانتمـاء لتيار أو جمـاعـة أو مذهـب ، فيُـقبَـلُ نقد الناقد مـا لـم يتأسس علـى عَـوارٍ فكري و مـا لم يتجرد من المصالح الفئوية و الأطمـاع المغرضة، و يُـرفَـض نقـد الحـاقد باعتبار آفتـه الأخـلاقية التي تجعـل منه شخـصا عَدائيـا لأسباب قد تعود لأشخاص محددين أو حسابات مع أفراد معينين . أمــا الصنف الثاني فيتحـرك من خـارج الانتمـاء، فالناقد هنـا يُــنــظَـر في نقده و في ثنـايا تأصيلـه المعرفي، فإن كـان النقد لا يخرج عن كونـه رأيا مِنهـاجيا توسل غرضـه بالأدوات العلمية الرصينة و التحليلات المنظمـة فهـو نقـد مقبول و مطلوب يوجب النظر فيه و الاعتداد برأيه ، و إن كـان النقد محمـولا علـى الألفاظ التنابزية و المفردات الحربية و أحكـام القيمـة المشحونـة بالكراهية فهـو نقد لا يحتـاج معه غير الإعراض و التجاهـل بلا تردد . و أمـا الحاقد من الخارج فتلك مصيبـة الإيديولوجيين الذين تشبعـوا بقيم النفي العنيف ، فآراء أمـثال هـؤلاء تتحرك بمقتضى ممارسـة الصدام كخـط مقصود فتصبح انتقاداتهم مجرد وسائل للتغطية علـى المشكـل النفسي الذي يعانون منه ، فالحاقد يرسـم لنفسه لوحـة منذ البدايـة لوحـة براقـة تعـطي لـه الحق في الحكم علـى بشاعـة الآخرين و يُـطوِّع كل الإمكانات المعرفية المتاحة للانتقام من المخالَـفين دونمـا اعتبار لأوجـه الاستدلال الفاسدة عنده، فهـو إذ يكتب و يفكر إنمـا قد حدد الهدف ابتداء فجعـلَ من كل الأدوات آليات لخدمـة مشروع النفي و الاستئصال، و مهـما حـاول العـاقل إرشاد الحاقد فإن الفشل نصيبه إذ يتعلق الأمـر بمشكـل غـائر موروث و متأصل في هوامش عقله و قلبه الجاف .َ  

     من تمظهـرات النـاقد الحصيف أنـه لا يكتفي بالالتقاطـات السريعـة لفكر المُنتَقـَــد و لا يأخـذ بالمنقولات و التقولات و لا يمـارس عنفـا لفظيـا يُـطيحُ بـمنتَقَــدِه لغةً و لا يُــعــبِّــر عن رأيـه في حق غريمـه لغـواً، بل ديدنـه التحري و الإبحـار في المنـاطق الفكرية المتنوعـة و الاعتمـاد علـى فكر و كتـابة المُنتَـقَـد مباشرة بلا واسطـة ، فهـو نـاقد يروم كشف المستور و المنشور و طرح صيغ بديلـة للبنـاء و التجاوز بعيدا عن الأساليب السريعـة و الأحكـام الجـاهزة ، أمـا الحاقد النـاقد فشخصيـة طابعهـا الانفعـال و التشفي، تلتمس طرق النقد من مسالك منعرجـة و تستجدي لغـة حربية حـادة غرضهـا الرئيس تصفيـة مـا عند الآخـر جملة و إقامـة حواجزَ معرفية بين الأفكـار تُفـاضِـلُ بين هـذا و ذاك قسـراً ،فهـو يتحرك بموجب "بدهيات" لصيقـة بدمـاغـه علـى ضوئهـا يُحـاكِـم و يُـخاصِمُ فيعنِّف غريمـه، كمـا يجتهد في نطاق مُحدداته النفسية و موروثاتـه المعرفية فتصير عملية البحث و الاستقصاء مجرد آليات لخدمـة النزعـة الحاقدة بدل الملكـة الناقدة .

   للأسف الشديد، تـحوّلَ النقد إلـى ملهـاة يسبح فيهـا زيد بحار المعرفة طلبا للنقض لذاته ، مما يدفع بعمرو نفسـه برد المِـثل و التعامل مـعه كشر مستطير بقاءهُ نفي له علـى خط مستقيم. فالحـاقد الناقد يكتب بعنف و بأسلوب عشوائي يفتقر المرونـة الفكرية و تقوده حساسياته لإذكـاء القطيعـة و تكريس نزعـات الصدام الفكري، فهـو لا يتيح لعقله هوامشَ تعبُـر إليه اجتهـادات الآخرين و لا يدَعُ مجالا للشك في يقينياته المُبتسرة، بل يندفع في خط أهوج يعطي لنفسـه الأعلمــية بـلا نزاع .

    يوم تزول الأحـقاد النفسية المريضـة و تختفـي معهـا لغات الاستئصال و النفي تعود العـلاقات بين الأفكـار لتعانق بعضهـا البعض، و يوم تنكمش الإيديولوجيات الصلبة و تتراجع لصالـح تقدم المشترك الإنساني تتـلاقح التوجهـات و تتقاطع المذاهب، آنـذاك يبدأ العقل النـاقد في نضجـه و استواء فكره فتموت الأحـقاد المعرفية التي مزقت الأمم و المجتمعـات و حوّلتهـا إلـى كيانـات مغلوبـة تنهـش بعضهـا البعض ، و لقد تطورت تلك الأحـقاد خصوصا ضد الحركات الإسلامية لتصير لهـا جيشـا من الإعـلاميين المُرتَزَقين يكتبون تحت وقع صدمـة اكتساح الإسلاميين للمشهـد السياسي ( خصوصا في مصر) و صاروا مجنونين بسعـار النقد الحـاقد ينفخون في كل شيء لتزيين أفعـال الطغـاة و الديكتاتوريين، و امتدت نيرانهـا لتشمـل قنوات مرئية و مسمـوعـة تعمل ليل نهـار لقيادة حمـلات الإبادة الفكرية و تكريس الأسلوب "الإرهـابي" في التعـامل مع الأحـرار الشرفاء، فهـؤلاء النقاد الحقّــادون لا يختلفون في شيء عن وعـاظ السلاطين ، فبهم تتم التغطية علـى جرائم المستبدين و بألسنتهم تُــقتَــل الحقيقـة و بأقـلامهم تُــشـوَّه الأحداث في كل مكـان . 

نجيب الطلحاوي

مشاركة في: Twitter Twitter

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 )

المجموع: | عرض:

أضف تعليقك

المرجو عدم تضمين تعليقاتكم بعبارات تسيء للأشخاص أو المقدسات أو مهاجمة الأديان و تحدف كل التعليقات التي تحتوي على عبارات أو شتائم مخلة بالأداب....

للكتابة بالعربية

rif media